حمزة .. صديقي التونسي الصغير

عدت للتو من تونس، في اول زيارة للخضراء بعد الثورة التونسية العظيمة والملهمة.. كنت قد زرتها في وقت سابق كفتي كشافة لا يشغله وقتها سوي وضع منديله الصحيح علي صدره وكيف ينتصب واقفا في وضع الانتباه ليرسم صورة طيبة لبلاده خارجها او هكذا اقنعوه. واليوم ادخلها بصفة كاتب لأتحدث عن حرية الفكر والإبداع والقليل عن الحراك الفكري بعد ربيع عربي كنت احلم واتمني الوصول الي عتباته منذ سنوات تخليت فيها عن الكشافة والهوس بوضعية المنديل علي الصدر..
حسنا لن اطيل عليك، وبالطبع لن احكي لك عن الاسماء الكبيرة الرنانة التي قابلتها التونسية والفرانكفونية منها، لكن دعني احكي لك حكاية "حمزة" صديقي التونسي الصغير الذي لم يتعدي حدود الخمسة عشر سنة من عمره..
قابلت حمزة لأول مرة من خلال مشاركتي في التدريب "بمعسكرات التعبير الرقمي" التي اعتبرها واحدة من اهم المشاريع بالوطن العربي في الوقت الحالي والتي تعمل علي تجميع اطفال من الوطن العربي في معسكر مغلق لتفتح امامهم مساحات في حرية الرأي والتعبير من خلال تعلمهم الكثير والمكثف عن عالم الديجيتال والانترنت والسينما والصوت والمسرح .. الخ
من بعيد عرفت انه الطفل التونسي الوحيد الموجود بالمعسكر هو واخته "اميمة" التي لاتكف عن الابتسام والمرح، وجدته مراقبا مهتما بالتفاصيل من حوله بعين رجل في الاربعين واضعا يده تحت ذقنه في وضع الحكمة وكأنها صورة كاتب عمود صحفي كبير..
اقتربت منه متحدثا بالتونسية فإبتسم، ثم وضحت انني اعرف التونسية بسبب متابعتي لكرة القدم ومجموعات الألتراس التونسية ثم غنيت له بعض من اغاني الجماهير الخاصة بفريقه "الترجي" فإنطلقنا نتحدث عن الكرة التونسية ومجموعات الألتراس وديربي العاصمة الساخن وحكيت له عن اصدقائي التوانسة في هذا المجال وكيف الهمتنا حركة الالتراس التونسية لتأسيس حركة مماثلة في مصر
ومع الوقت انخرط حمزة في نشاط المعسكر ولم يكتفي بالمراقبة الحكيمة، الي ان جاء وقت عرض مسرحية قامت مجموعة من الاطفال بالتدرب عليها والتي جائت ارتجالية مبنية علي حكي الاطفال عن تجربتهم مع الثورات في بلادهم واين كان موقعهم وتناولهم للاحداث وقتها، وقتها اكتشفت قدرة حمزة علي التمثيل والاداء بلهجة تونسية حكي عن تجربته في النزول الي الثورة بصحبة خاله، والذي عرفت لأول مرة انه احد المدربين بالمعسكر "رفيق" مخرج الافلام المستقلة التونسي ومدرب السينما بالمعسكر وفرحت عندما لاحظت انه لم يكن ملتصقا بخاله محاولا ان تكون له شخصيته المستقلة بعيدا عنه بالرغم مما مر به من تجربة اصطحاب الخال له للمشاركة في الثورة وكيف غيرت رؤيته في الحياة كما حكي في العرض المسرحي
واثناء المعسكر وفي وقفة استراحة في الظل بعد تعب يوم زيارة الاطفال للأهرام، انطلقوا يحكون عن مصر وحبهم لها والسينما المصرية إلخ .. الا ان حمزة كان الأكثر جراءة حين قال "انا كنت بكره مصر والمصريين وماحبش اتعامل معاهم" ثم سكت وابتسم وقال بلهجة مصرية "بس دلوقت انا عرفتهم وحبيتهم وغيرت الرأي اللي كونته من بعيد عنهم" .. وقتها تخيلته عملاقا متجاوزا السن ومحدودية الفكر والتعصب محاولا تنظيف وسخ متراكم في بساطة وبدون معاناة وتنظير الكبار
وفي اخر يوم من زيارتي وبعد مكالمة قصيرة مع "رفيق" رتبنا لنلتقي ثم اضاف انه سيتأخر لانه وسط المظاهرة التي تم قمعها بشدة في شارع الحبيب بورقيبة في يوم الشهداء التونسي، واضاف ان "حمزة" معه وسنلتقي بعد المظاهره في مكان آمن ونصحني بعدم الحضور، ثم التقينا بعدها بعدة ساعات، جريت علي حمزة لأحتضنه.. الولد كبر وزاد طوله .. عينيه اصبحوا اعمق واكثر حكمة ومعرفة وخبرة لا تستطيع ان تخطئها في اول نظرة للصغير التونسي..
جلسنا في مجموعة من اقارب رفيق المصاحبين له في المظاهرة "رياض" ذو المعرفة عن مجموعات الالتراس  و"اسلام" المحامي التونسي الشاب المهتم بالعدالة الانتقالية واشتبكنا في حديث مطول عن الموضوعين وموضوعات اخري كثيرة، وانا انظر بجنب عين علي الصغير حمزة وتفاعله مع الحديث وتعليقاته الذكية من وقت لآخر، تنتهي جلستنا ويرحل حمزة، وانا حزين علي فراقه من كل قلبي لأحاول في طريق عودتي تخيل حمزة بعد عدة سنوات اكون وقتها عجوز ازور تونس في مستقبل لا استطيع استنتاج ملامحه في الوقت الحاضر
انا اراهن علي "حمزه" وجيله ورفاقه من نفس عمره، اراهن علي حماسهم ونضجهم المبكر وسقف احلامهم العريضة المفتوحة علي ابواب السماء مباشرة.. اراهن علي جيل كامل قد يكون مراقبا لإنتكاسة احلام من هم اكبر منهم، قد تساعدهم علي الاستفادة من الاخطاء الغير مقصودة للكبار.. لينطلقوا وقتها الي سماوات حرية حقيقية يصنعوها بدبيب ارجلهم علي الارض التي تنضج وتصبح اكثر عمقا يوما بعد يوم .. اراهن علي الخيال في مواجهة الواقع الذي قد يكون مملا وكلاسيكيا ومرتبطا بسيناريوهات وتوازنات معقدة .. اراهن علي الذكاء والمعرفة في مواجهة الغباء والجهل .. انا اراهن علي حمزة ورفاقه.

تعليقات

  1. نفسي اروح تونس يا جيمي .. صحابي كتير هناك شوفتني بعد كلامك دة بس بيقولو التاشيرة صعبة ...

    ردحذف
  2. " اراهن علي الخيال في مواجهة الواقع الذي قد يكون مملا وكلاسيكيا ومرتبط بسيناريوهات وتوازنات معقدة"
    دا اللي كلنا محتاجينه وغايب عن ناس كتير

    ردحذف
  3. جيل ولد فى عهد قمة الديكتاتورية والقمع فما كان منهم الا الاستفادة من الوضع وحولو كل هذا الكبت إلى أفكار خاصة و رؤى و فكر و طريقة حياة والآن تسلم الراية إليهم ليقودو ... ربما هذا الجيل سيقدر على تحويل المنطقة العربية لأرض واحدة مثلها مثل أوروبا

    ردحذف
  4. غير معرف4/17/2012 08:49:00 م

    Hello Gemyhood can you please send me an e-mail?
    I need to speak with you about your Ultras Book.
    Thank you very much.
    Cheers
    Raúl (raultra82@hotmail.com)

    ردحذف


  5. شركة تنظيف شقق بالدمام شركات تنظيف شقق بالدمام
    شركة تنظيف شقق بالمدينة المنورة شركة غسيل شقق بالمدينة المنورة
    شركة تنظيف شقق بالرياض شركات تنظيف شقق بالرياض
    شركة تنظيف بجدة

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة